رعاية المقدسات - الهاشميون والقدس
ارتبط الهاشميون تاريخياً بعقد شرعي وأخلاقي مع مكة المكرمة والمقدسات الإسلامية، فحفظوا لها مكانتها، ونأوا بها عن خصومات السياسة، وكذلك كان حالهم مع القدس الشريف، أولى القبلتين، متلازماً مع تأكيد تبنيهم لرسالتهم التي ناضلوا من أجلها، وهي حرية الشعوب والحفاظ على كرامة الأمة.
ومع قيام الدولة الأردنية، استكملت في ظل الولاية الهاشمية مسيرة الحفاظ على المقدسات في مدينة القدس الشريف.
رعاية المقدسات في القدس أولوية هاشمية أردنية
في اتفاق تاريخي وقعه جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في شهر آذار/مارس 2013م، أعيد فيه التأكيد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، وأن جلالة الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصا المسجد الأقصى، المعرف في الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف.
وللقدس عند الهاشميين مكانة كبيرة ارتبطت باحتوائها أهم المقدسات الإسلامية وأَجلُّها قدراً. ففيها الحرم القدسي الشريف الذي يحوي مسجدين وأضرحة كثيرة للأنبياء والأولياء والصالحين، وتراثاً معمارياً إسلامياً من المدارس والسبل والزوايا والأسواق والمكتبات.
أما الركن الآخر من أركان الحرم الشريف، فهو المسجد الأقصى الذي أسس في أيام الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، وأقيمت بعد ذلك قبة الصخرة إلى جانبه، والتي أتمّ بناءها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان سنة 691م، فمنها عرج النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى السماوات العلى، وتعد أحد أبرز معالم المعجزة الخالدة للرسول في رحلة الإسراء والمعراج.
الإعمار الهاشمي الأول
تصدى الهاشميون لمزاعم الصهيونية في القدس، والتي مثلت تهديداً مباشراً للمدينة العربية وتراثها الحضاري، وأسس في القدس عام 1922م المجلس الإسلامي الأعلى كمنظمة إسلامية أهلية للحفاظ على تراث القدس الشريف، الذي بادر إلى جمع الأموال اللازمة لترميم قبة الصخرة.
وتبرع الشريف الحسين بن علي، شريف مكة، طيب الله ثراه، بمبلغ 50 ألف ليرة ذهبية، لإعمار المسجد الأقصى ومساجد أخرى في فلسطين، لتشكل أساس المال الإسلامي لإعمار المقدسات، ملبيا بذلك نداء أهل القدس كأول المستجيبين، حين زاره وفد مقدسي عام 1924م في الحجاز، برئاسة الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وأطلعه على المخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى. وأسهمت عملية الترميم التي باركها الشريف الحسين بن علي في بيت المقدس، بصمود مرافق المسجد الأقصى حين ضرب زلزال عنيف المنطقة عام 1927م.
وجسدت استجابة الشريف الحسين بن علي لطلب العون من أهل القدس في مرحلة مبكرة، وعياً والتزاماً منه بقضايا الأمة، ووفاء لهذا العطاء طلب أهالي القدس وأعيانها دفن الشريف الحسين، طيب الله ثراه، في الرواق الغربي للحرم الشريف في حزيران/يونيو 1931، تأكيداً على مكانته وتقديراً لجهوده في إنقاذ المؤسسات الإسلامية في القدس.
الملك المؤسس والقدس
"ليس الفلسطينيون إلا مثل الشجر كلما قُلِّم نبت"، هذا ما قاله جلالة الملك المؤسس عبد الله بن الحسين، طيب الله ثراه، خلال لقائه ونستون تشرشل في القدس في21 آذار/مارس 1921م، رافضا وعد بلفور، وأصر على جعل أمر فلسطين بيد أهلها.
وامتلك جلالته، الذي تولى الحكم في شرق الأردن أميراً ممثلاً لمسؤوليات والده، رؤية استشرافية للنهوض بواقع المنطقة ومستقبلها، وظلت مواقف جلالته طوال فترة الانتداب تجاه فلسطين أكثر ثباتاً وعناداً، خاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد بقي متمسكاً بضرورة إلغاء وعد بلفور، وفي الوقت نفسه كان مستمراً في حلم الشعوب العربية وحلم أبيه وأخيه الملك فيصل بإقامة دولة سوريا الكبرى للعرب.
وفي عهد الملك المؤسس، كان مسار الأحداث صعبا وحرجا بغير ما تشتهي أحلام العرب، فمع إعلان بريطانيا قرار جلائها في 15 أيار/مايو 1948م عن فلسطين وتحويل مسألتها إلى الأمم المتحدة، كانت إسرائيل تعلن قيام دولتها في فلسطين.
ونتيجة لإعلان إسرائيل قيام دولتها، بدأت حرب عام 1948م، حيث شاركت قوات الجيش العربي الأردني في هذه الحرب، وخاضت معارك ضارية في باب الواد واللطرون وغيرها، لإنقاذ القدس وباقي الأراضي الفلسطينية، لكن هذه الحرب انتهت بهزيمة العرب، وإلحاق أضرار كبيرة بالحرم الشريف في القدس، ولم يكن من جلالة الملك المؤسس إلا أنْ بادر بإطلاق دعوة لترميم محراب زكريا، وإعادة ترميم المباني المحيطة التي ألحقت بها أضرار هيكلية.
ولم تقتصر عناية جلالته على المقدسات الإسلامية وحسب، فقد عمل شخصياً في إخماد حريق كاد أن يدمر كنيسة القيامة في عام 1949م، وكان طيلة فترة حكمه من 1921-1951م سادناً وحارساً للمقدسات المسيحية أيضاً في القدس.
الإعمار الهاشمي الثاني
ما إن تولى جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، سلطاته الدستورية في الثاني من أيار/مايو 1953م، حتى صدرت توجيهاته إلى الحكومة لترميم قبة الصخرة، التي أخذت في فقدان بريقها بفعل عوامل الطقس والزمن، وبعد أن أخذت المياه تتسرب إلى الداخل.
وأمر جلالته في عام 1954م بتشكيل لجنة بموجب قانون خاص لإعمار المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي الشريف، تحت الرعاية الهاشمية، من منطلق المسؤولية التاريخية للهاشميين تجاه المقدسات.
وتتابع الاهتمام بالقدس ومقدساتها في عام 1956م وعام 1959م، وهو تاريخ بدء الترميم الثاني الذي موّله الأردن، إلى جانب دعم قدمته بعض الدول الإسلامية الأخرى، واستمر الترميم الثاني حتى السادس من آب/أغسطس 1964م، واشتمل على:
إعمار المسجد الأقصى المبارك وترميم جدرانه الخارجية الحجرية، وتركيب أعمدة رخامية لأربعة أروقة في الناحية الشرقية منه، وتركيب نوافذ من الزجاج الملون، وترميم الأسقف والجدران الداخلية والخارجية.
إعمار قبة الصخرة المشرفة، وتركيب قبة خارجية من الألمنيوم الذهبي اللون، وتركيب رخام للجدران الداخلية والخارجية، وإعادة ترميم الفسيفساء فيها وكتابة الآيات القرآنية.
وحظي الاحتفاء بانتهاء الإعمار الهاشمي الثاني، الذي أقيم في الحرم القدسي الشريف بتاريخ 28 ربيع الأول سنة 1384هـ الموافق 6 تموز/يوليو 1964م، برعاية جلالة الملك الحسين طلال، طيب الله ثراه، والذي ألقى خطاباً، في الاحتفال، بين فيه مكانة القدس لدى الهاشميين، وضرورة تكاتف المسلمين لحمايتها. وقال في هذا الخطاب:
"إننا ونحن نغتبط اليوم إذ نمد أبصارنا من خلالكم، فنرى الملايين من العرب والمسلمين في آسيا وأفريقيا، وقد اجتمعت من حول فلسطين هذه الساعة، نحب أن نذكر بأن إعمار مسجد الصخرة المشرفة وقبتها المشرفة إنْ بدأ فوق أرض المسجد وفي حدودها الضيقة، فإن إنقاذ الصخرة والحفاظ على مسجدها وصون قبتها تنتهي كلها هناك، في الأرض السليبة، في الأرض العربية الحبيبة، وفي استرداد حقوقنا فيها كاملة غير منقوصة..."
الإعمار الهاشمي الثالث
تعرض المسجد الأقصى في 21 آب/أغسطس 1969م إلى حادثة أليمة، عندما اقتحم أحد اليهود المتدينين المتعصبين المسجد، وأشعل النار فيه، وأدى إلى تدمير معظم أجزاء المسجد الأقصى.
ومن بين أهم الأجزاء، منبر صلاح الدين، وهو منبر أحضره من حلب القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر المدينة من الصليبيين عام 1187م، ومسجد عمر الموجود في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، والمحراب الرئيسي للمسجد والقبة الخشبية الداخلية، ونوافذ المسجد والجدار الجنوبي، كما تعرض السجاد الذي يغطي أرض المسجد إلى الحريق والخراب.
وإثر ذلك، أصدر جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، أوامره بضرورة إعادة تعمير المسجد الأقصى، وتم إعادة تعمير كل من المسجد الأقصى الذي أعيد إلى حالته السابقة قبل الحريق، وقبة الصخرة المشرفة، حيث تم استبدال ألواح الألمنيوم القديمة للقبة بألواح نحاسية مذهبة محكمة الإغلاق، كما شمل التعمير مناطق أخرى في الحرم الشريف والقدس ومنها، (قبة السلسلة، وباب الرحمة، وجامع المدرسة الأرغونية، ومكتبة المسجد الأقصى، والقبة النحوية وسوق القطانين، والمتحف الإسلامي، وسبيل قايتباي).
وعقب الانتهاء من إعمار المسجد الأقصى، وجد جلالته أن لجنة الإعمار تعاني من نقص مالي كبير، لا سيما أن تنفيذ التصفيح النحاسي لقبة الصخرة يحتاج لمبالغ كبيرة، مما حدا بجلالة الملك إلى التبرع بمبلغ من ماله الخاص للجنة الإعمار حتى تستطيع القيام بأعمالها، وأوضح ذلك في رسالته إلى رئيس لجنة الإعمار بتاريخ 11 شباط/فبراير 1992م، وجاء فيها:
"إن ما تم إنجازه حتى الآن في اتجاه البدء بعملية إعادة الترميم والإعمار، يبعث فينا جميعاً الرضا والاعتزاز، وإزاء استكمال الدراسات وطرح العطاءات المتعلقة بهذه العملية، فإنه ليسعدنا أن ننقل إليكم تبرعنا الشخصي، مقدماً لهذا العمل العظيم باسم أسرتي الهاشمية سليلة آل البيت وحاملة رسالته.وإذ علمنا منكم أنَّ ما هو متوفر لديكم هو مبلغ مليون ومائتي ألف دينار أردني، فإنني أضيف لهذا المبلغ ما مقداره 8.249.000 دولار تبرعاً شخصياً مني ومن أسرتي الهاشمية"
ولم يقتصر الاهتمام الهاشمي في القدس على تعمير الأماكن الإسلامية المقدسة، ليشمل كذلك إنشاء الكليات والمدارس الدينية ومراكز حفظ التراث، ومنها:
كلية الدعوة وأصول الدين في القدس، وأنشئت عام 1978م.
كلية العلوم الإسلامية في القدس، وأنشئت عام 1975م.
كلية العلوم الإسلامية في قلقيلية، وأنشئت عام 1978م.
ثانوية الأقصى الشرعية، وأنشئت عام 1958م.
المدرسة الشرعية في جنين، وأنشئت عام 1975م.
المدرسة الشرعية في الخليل، وأنشئت عام 1962م.
المدرسة الشرعية في نابلس، وأنشئت عام 1962م.
قسم الآثار الإسلامية في القدس، وأنشئ عام 1977م.
قسم إحياء التراث الإسلامي في القدس، وأنشئ عام 1978م.
الاعمار الهاشمي الرابع
أضحت المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، جزءا لا يتجزأ من برامج عمل الحكومات الأردنية، وكتب التكليف السامي لها، والتي أكد جلالته فيها ضرورة الاهتمام بها والعناية بمرافقها والتعهد بحمايتها.
وجسد اهتمام جلالته بالمسجد الأقصى، استمرارية هاشمية في رعاية مدينة القدس ومقدساتها، لما لها من مكانة ومنزلة في سائر الديانات السماوية، وتمثل ذلك النهج بتشكيل لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة بموجب قانون، حفاظا على المقدسات والمعالم الإسلامية، لتبقى قائمة ببهائها وجمالها ومتانتها.
وأولت اللجنة عنايتها بالمسجد الأقصى المبارك، وما يشتمل عليه من مساجد وقباب ومحاريب ومساطب وغيرها من المعالم الحضارية، وأجرت أعمال الصيانة بشكل متواصل، وأزالت آثار الحريق الذي جاوز أكثر من ثلث مساحة المسجد، إضافة إلى إعمار مسجد قبة الصخرة المشرفة الأول.
وشملت مشاريع الإعمار في المسجد الأقصى في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ما يلي:
أولاً: منبر المسجد الأقصى المبارك "منبر صلاح الدين":
تشرف جلالة الملك عبدالله الثاني بوضع اللوحة الزخرفية الأولى على جسم المنبر في 26 رمضان 1423هـ، الموافق الأول من كانون الأول/ديسمبر 2002م، وتصدر العمل في عملية التصنيع الاهتمام والمتابعة المستمرة، ليعود المنبر على صورته الحقيقية المميزة ببالغ الحسن والدقة والإتقان، كما أراد له أن يكون جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، عندما أبدى توجيهاته بإعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي في 10 ربيع أول 1414هـ الموافق 28 آب/أغسطس 1993م.
ثانياً: الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى.
ثالثاً: الحائط الشرقي للمسجد الأقصى المبارك.
رابعاً: مشروع نظام قضبان الشد والربط لجدران المصلى المرواني.
خامساً: نظام الإنذار وإطفاء الحريق في المسجد الأقصى المبارك.
سادساً: البنى والمرافق التحتية.
سابعاً: قبة الصخرة المشرفة: وشملت الرعاية الهاشمية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، ترميم الأعمال الفنية في مختلف مرافق قبة الصخرة المشرفة، إذ تعد هذه الواجهات الفنية الزخرفية من كنوز الإنجاز الفني الإسلامي الذي يعود للعصر الأموي، ومنها إعادة الرخام الداخلي لجدران القبة.
ثامناً: مهد عيسى عليه السلام.
تاسعاً: مشاريع الإعمار المقترح تنفيذها: وتسعى الحكومة إلى إتمام عمليات التحديث والترميم التي أمر بها جلالة الملك عبدالله الثاني، ووضعت أمام أعينها تنفيذ عدد من المشاريع المستقبلية ومنها: مشروع الإنارة، وشبكة الهاتف، وتطوير الصوتيات المركزية، ومشروع المئذنة الخامسة للمسجد الأقصى المبارك.
عاشراً: ترميم القبر المقدس: في الرابع من نيسان/ابريل عام 2016 م وبمكرمة ملكية سامية، تبرع جلالة الملك عبد الله الثاني، وعلى نفقته الخاصة، لترميم القبر المقدس في كنيسة القيامة في القدس، وأبلغ الديوان الملكي الهاشمي البطريركية الأورشليمية في القدس بمكرمة جلالته، برسالة خطية أرسلت إلى غبطة البطريرك كيريوس ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين.
الملك عبدالله الثاني والقدس
حظيت المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس باهتمام بالغ في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وأضحت جزءا لا يتجزأ من برامج عمل الحكومات في عهد جلالته، فقد أشار جلالته إلى ضرورة الاهتمام بها والعناية بمرافقها والتعهد بحمايتها، في كتب التكليف السامي للحكومات التي تشكلت حتى الآن في عهد جلالته.
هذا الاهتمام الكبير بالمقدسات الإسلامية في القدس من قبل جلالة الملك، شكّل استمرارية للنهج الهاشمي في رعاية هذه المقدسات منذ أمد بعيد، وأخذت تلك الرعاية إطارا مؤسسيا تمثل في إنشاء الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، بموجب قانون صدر عام 2007 بعد تعديل قانون إعمار المسجد الأقصى رقم 32 لسنة 1954، ويشرف على الصندوق مجلس أمناء برئاسة سمو الأمير غازي بن محمد المبعوث الشخصي، المستشار الخاص لجلالة الملك.
وقد أولت لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، المشكلة بموجب القانون الأردني رقم 32 لسنة 1954م، جُلّ عنايتها بالمسجد الاقصى المبارك، وما يشتمل عليه من مساجد وقباب ومحاريب وغيرها من المعالم الحضارية، وقامت بشكل متواصل وعمل دؤوب بصيانة وترميم هذه المعالم، وأزالت آثار الحريق الذي جاوز أكثر من ثلث مساحة المسجد، بالإضافة إلى إعمار مسجد قبة الصخرة المشرفة الأول، الذي يعود تاريخه إلى عام 691م.
ترميمات للقدس
وشملت مشاريع الإعمار للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، في عهد جلالة الملك، إعادة بناء منبر المسجد الأقصى المبارك "منبر صلاح الدين"، وتركيبه في مكانه الطبيعي في المسجد يوم 25 تموز/يوليو2006، وترميم الحائط الجنوبي والشرقي للمسجد الأقصى، وأحد عشر مشروع ترميم وصيانة لمختلف مرافق وأقسام المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة.
وأجريت الدراسات لتنفيذ ستة مشاريع أخرى، تتعلق بتركيب أنظمة حديثة ومتطورة للإنارة والصوت والأعمال الميكانيكية والصحية والانذار المبكر للحريق، إضافة إلى مشروع المئذنة الخامسة للمسجد الأقصى المبارك على السور الشرقي، بجانب دار الحديث القائمة شمال مبنى الباب الذهبي.
إنقاذ منبر صلاح الدين
على مدى قرون، حمل الهاشميون أمانةً خاصة، هي أمانة حفظ ورعاية المواقع الإسلامية المقدسة في مدينة القدس. وعندما تسلّم جلالة الملك عبدالله الثاني مسؤولياته الدستورية، بعد وفاة والده المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، حمل معها تحديا زاد عمره على ثلاثين عاماً: وهو كيف يمكن إعادة بناء منبر صلاح الدين ، ليأخذ مكانه ثانية في المسجد الأقصى المبارك في القدس.
والمنبر، وهو درج مزخرف يصعد عليه الإمام ليلقي منه خطبته، وكان منبر صلاح الدين واحداً من أعظم الأعمال الفنية للحضارة الإسلامية في أوج مجدها. وفي القرن الثاني عشر للميلاد، كانت القدس ما تزال تحت الاحتلال الصليبي. إلا أن نور الدين زنكي، استدعى أمهر الحرفيين في الدولة لبناء منبر رائع أخّاذ للمسجد الأقصى المبارك. وكان هذا المنبر رمزاً لعظمة الحضارة الإسلامية، وإخلاصها لله، وتطلعها إلى استعادة السيادة على المدينة، التي تأتي في المرتبة الثالثة بين الأماكن المقدّسة لدى المسلمين.
وفي عام 1187م، عندما أعاد الناصر صلاح الدين الأيوبي فتح بيت المقدس مبتدئاً عهد الدولة الأيوبية، أحضر منبر نور الدين زنكي من حلب ووضعه في المسجد الأقصى المبارك. وقد ظلّ قائماً هناك حوالي 800 عام.
وفي عام 1969، ألقى أحد المتطرفين الصهاينة قنبلة حارقة داخل المسجد الأقصى المبارك، فاشتعلت فيه النار وكادت أن تدمّر المبنى، وكان من نتائج الحريق أن تحوّل منبر صلاح الدين إلى رماد.
وبعد هذا التفجير، تعهّد جلالة الملك الحسين الله طيب الله ثراه، بإعادة بناء المنبر – وهو عمل عظيم ثبت في ما بعد أنه أصعبُ كثيراً مما قدّر له في البداية-.
فما تبقى من المنبر الأصلي قليل جداً، ولم تكن هناك رسوم وسجلات مفصلة للمنبر تبيّن عملية بنائه، وأبعاده، والمواد المستعملة فيه أو هيكله الداخلي. وما عُثِر عليه هو قطع خشبية متفحمة، ولوحات فنية قديمة، وصور فوتوغرافية بالأبيض والأسود، غدت الأدلة الوحيدة المتوافرة للجنة التي شُكّلت للإشراف على هذا العمل الجليل. وبدا أيضاً وكأن المعرفة بتصميم وبناء أجزاء المنبر الدقيقة قد فقدت.
إن إعادة بناء المنبر ستكون أكثر من مجرّد اختبار للمهارات، فهي ستصبح جُهْداً رئيسياً عظيماً لحماية التراث الفكري والفني والإبداعي للعالم الإسلامي، هذا التراث المميز الذي بدأت معالمه تختفي بسرعة.
وعندما اعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني العرش، عاود وصاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد، الجهود لترميم المنبر.
وبدعم ملكي هاشمي، أُسّس مشغل في مدينة السلط جُمع فيه حشد من أفضل المبدعين في النقش على الخشب من سائر أرجاء العالم الإسلامي، لإتمام المنبر الجديد، بحيث يكون نسخة طبق الأصل عن المنبر الذي دمره الحريق. وحتى بوجود فريق يضم 12 من الحرفيين الماهرين، فإن بناء المنبر استغرق حوالي أربع سنوات كاملة. وما إنْ أُنجز بصورة نهائية ونقل إلى القدس في 2 شباط/فبراير 2007م، حتى استقر في مكان المنبر الأصلي بصورة رائعة دون زيادة أو نقصان.
وقد قام الهاشميون بدور مهم في الحفاظ على الثقافة والعمارة الإسلامية في القدس، حيث كانوا على الدوام الأمناء على الأماكن الإسلامية المقدسة فيها، يرعون هذه الأماكن ويحافظون عليها. إن إعادة بناء منبر صلاح الدين ليس إلاّ أحد الأعمال المهمة العديدة التي قام بها الملوك الهاشميون للحفاظ على الأماكن المقدسة وصيانتها على مدى العقود الأخيرة، وقد وضع هذا الأردن في مركز الصدارة في مجال البحث العلمي الإسلامي، والحفاظ على المعالم الثقافية في أيامنا هذه.
إعمار مساجد الأنبياء والصحابة ومقاماتهم في الأردن
حبا الله أرض الأردن شرفا بأن ضمت مقامات وأضرحة عدد من الأنبياء والصالحين والصحابة من الشهداء وقادة الأمة، ممن سطروا بتضحياتهم أروع صور البذل والشهادة، أو من كانوا في طليعة قيادة جيوش الفتح الإسلامي. وتشكل هذه المقامات والأضرحة مكتسبا أردنيا يؤكد دور الأرض الأردنية في صياغة تاريخ الأمة.
وقد أدرك الأردن وقيادته الهاشمية أهمية هذه المواقع وضرورة الحفاظ عليها وصونها، ففي عام 1984 أمر جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، بتشكيل لجنة ملكية خاصة لترميم وصيانة أضرحة الصحابة والشهداء الفاتحين في الأردن، وبناء المساجد في مواقعها، وفي عام 1992 أطلق رحمه الله مرحلة جديدة من العمل على ترميم وصيانة أضرحة الصاحبة ومقامات الأنبياء في مناطق مختلفة.
ومنذ أن اعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني العرش، واصل المسيرة، وأبدى توجيهاته للجهات المعنية لإنجاز بقية مشاريع الترميم والصيانة، وقامت اللجنة الملكية لإعمار مساجد ومقامات الأنبياء والصحابة والشهداء منذ تشكيلها، بوضع خطة عملية شاملة لعملية الإعمار والصيانة والترميم، وأنجزت المشاريع التالية:
مقامات الصحابة في المزار الجنوبي في مدينة الكرك، وتضم مقامات الصحابة: زيد بن الحارث وجعفر ابن أبي طالب وعبدالله بن رواحة شهداء، وقادة معركة مؤتة الخالدة رضوان الله عليهم.
مسجد الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه-، ومقامه في منطقة الأغوار الوسطى.
مسجد الصحابي الجليل ضرار بن الأزور -رضي الله عنه-، ومقامه في منطقة الأغوار الوسطى.
مسجد الصحابي الجليل شرحبيل بن حسنة -رضي الله عنه-، ومقامه في منطقة الأغوار الشمالية.
مسجد الصحابي الجليل عامر بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، ومقامه في منطقة الأغوار الشمالية.
مسجد الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، ومقامه في منطقة الأغوار في الشونة الشمالية.
مسجد الصحابي الجليل الحارث بن عمير الأزدي -رضي الله عنه-، ومقامه في محافظة الطفيلة.
الشجرة التي استظل بظلها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- أثناء تجارته إلى الشام في منطقة البقيعاوية بالصفاوي شرق المملكة.
مسجد الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- ومقامه في مدينة مادبا.
مقام الصحابي الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه- في منطقة وادي السير.
تطوير موقع أهل الكهف في منطقة الرقيم / الرجيب جنوب عمان.
مسجد الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، ومقامه منطقة الجبيهة.
تطوير موقع التابعي أبو سليمان الداراني في مدينة الشوبك.
مسجد النبي شعيب -عليه السلام- ومقامه في مدينة السلط / وادي شعيب.
مسجد النبي يوشع -عليه السلام-، ومقامه في مدينة السلط.
مسجد النبي هارون -عليه السلام-، ومقامه في مدينة وادي موسى.
مسجد النبي هود -عليه السلام-، ومقامه في روابي مدينة جرش.
وأنجزت اللجنة الصيانة اللازمة لعدد من المشاريع، ومنها: كهف النبي عيسى -عليه السلام- في منطقة أم قيس في مدينة إربد، وترميم مقام الصحابي الجليل أبو الدرداء -رضي الله عنه- في بلدة سوم الشناق في محافظة إربد. وشملت الترميمات مقام الخضر -عليه السلام- في بلدة ماحص، ومقام الصحابي الجليل ميسرة بن مسروق العبسي -رضي الله عنه-، ومسجد ومقام حزير عليه السلام في مدينة السلط.
وعنيت اللجنة الملكية بترميم مقام النبي نوح -عليه السلام- في مدينة الكرك. وتعد عمليات الترميم والبناء التي جرت في مساجد ومقامات الصحابة والشهداء، -رضي الله عنهم- في بلدة المزار الجنوبي بمحافظة الكرك، من أضخم عمليات الترميم والتوسعة والصيانة.
وتقوم اللجنة أيضاً بإعداد وثائق العطاء اللازمة لطرح تنفيذ وصيانة عدد من المشاريع، بينها عدد من المقامات والأضرحة الموزعة في مختلف مناطق المملكة.